دار النشر
The Grand Library
تصميم الغلاف/ أحمد الحيدري
£6.00
فليحة حسن
ولدتْ في النجف / العراق ، 1967صدر لها في الشعر:(لأنني فتاة 1991 )،( خمسة عناوين لصديقي البحر 1998)،( ولو بعد حين 2008)، (قصائد
The Grand Library
تصميم الغلاف/ أحمد الحيدري
تعد الشاعرة فليحة حسن من الشاعرات العراقيات اللائي استطعن أن يثبتن وجودهن ويخططن أسماءهن بحروف لامعة في سماء الأدب العراقي والعربي على حد سواء، وقد تميزت فليحة حسن بنضج أدواتها الإبداعية، من خلال ما قدمته وتقدمه من نصوص ذات قيمة فنية وجمالية عالية.
ولعل تغرب الشاعرة أضاف لتجربتها فضاء أوسع، من خلال احتكاكها المباشر مع التجارب العالمية، بالإضافة إلى ما يوفره التفاعل المباشر مع الثقافات الأخرى من غنى في الرؤى والأدوات، ورغم أن الشاعرة توحي لنا من خلال مجموعتها الشعرية «وأنا أشرب الشاي في نيوجرسي» بتمسكها بعمقها الثقافي المتأصل، سواء من خلال توظيفها للموروث التاريخي أو الميثولوجي، أو من خلال التوظيف القصدي للهجة العامية تداخلا بتسميته بالنص المحاور كما نجده في نص «اعترافات» إذ تقول:
أتوضأ دمعا مسفوحا
وأهيل الحزن على عمر
مبيوع بالمجان
فهلا أصغيت لقافلة الآه؟
(هي هم دورة فلك
وآخر زماني
أحبْ وأنحبْ
واني شمعة ضيم
من كثر السـﮕم
كل ساع تثكبْ).
توظيف فليحة حسن للموروث الميثولوجي لم يكن توظيفيا سطحيا ساذجا، بل كان توظيفا تفاعليا يعطي للنص بعدا يسهم في إغنائه دلاليا وجماليا. وسواء كان توظيفها للميثولوجيا والموروث التاريخي فعلا واعيا، أم غير واع فإنها تحاول كما نرى أن تشاكس ذلك الموروث وتخرجه من دائرة حدثه المتعارف إلى دائرة حدث تجترحه؛ لتبتعد عن رتابة الاستخدام المألوف والمتكرر. ولنأخذ أحد نصوص هذه المجموعة كنموذج نتعرف من خلاله على طبيعة الاستخدام للموروث القصصي القرآني.
في نص اسمته «يوسف» من ديوانها «وأنا أشرب الشاي في نيوجرسي» تعمد الشاعرة إلى ما سماه جيرار جينيه بـ(التناسخ النصي) مع قصة يوسف التي جاءت في القرآن الكريم. يقول جينيه: «إنني اسمي (هذا) نصا ناسخا كل نص مشتق من نص سابق بواسطة التحويل البسيط… أو التحويل غير المباشر الذي نسميه محاكاة» (شعرية النص عند جيرار جينيه- سليمه لوكام).
فهي تبدا النص بقولها:
«مجنونة
ما تفتا تذكره»
والظاهر أن الخطاب هنا موجه من (أنا) الشاعرة إلى الـ(هي) والمقصود فيها (زليخة) وفقا للنص القرآني، وهي محاولة لإيهام المتلقي بثنائية التخاطب إلى أننا ومن خلال قراءتنا للنص وتحليله، سيتضح لنا أن الخطاب هو فردي أو ذاتي من الشاعرة وإليها. وهي هنا تجعل من العلاقة التقابلية بين الشاعرة وزليخة علاقة تضادية، وليس علاقة تشابهية، فالشاعرة ترفض هذا الاستسلام الذي تمثله زليخة.
كما أن العلاقة بين يوسف النبي ويوسف الشاعرة، هي أيضا علاقة تضادية، رغم أنها تحاول أن توجد شيئا من التشابه بين فعل الأول «وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ» (يوسف: 25). وفعل الثاني «هو الهارب بقميصه وبقايا بنطال على ظهر دراجة هوائية»، فيوسف الشاعرة على النقيض من يوسف النبي «لم يكن عزيزا في مصر ولا في غيرها» وسواء كان المعنى الذي قصدته الشاعرة بكلمة (عزيزا) هو المعنى القرآني ذاته، أم المعنى الدلالي للكلمة قاموسيا، أو المعنى التداولي، فإن المراد من قولها: هو التحقير ليوسفها، أو التصغير لشأنه، إلا أن ما يثير التساؤل أو يدعو إلى التعجب، هو أنها نفت عنه العزة مطلقا حتى قبل هروبه بدلالة قولها (لم يكن).
ورغم أن العلاقة بين مجريات وصفات شخصيتي القصة القرآنية، وشخصيتي قصة القصيدة هي علاقة تنافرية، إلا أن توظيف الاسمين، ونفي التشابه المفترض بين صفات الشخصيتين، يوحي بعكس ما تقوله الشاعرة. فشخصيتا القصة القرآنية تنضويان على «الجمال والعزة وشغف النساء بيوسف وشغف زليخة به، وديمومة ذكرها له وشبابه هو وتحولها هي إلى عجوز» يقابلها في شخصيتي القصيدة «رفض تذكره، هويته الشاحبة، لم يكن عزيزا، تتحاشاه النساء، انتشاؤها بكأس اللبن وقضم التفاح كتعبير عن تشاغلها عنه، تحليقها على جنح حسون بعيدا عنه، بينما في الجهة الأخرى للأرض يجلس هو عجوز». هذا الإصرار على سلب صفات شخصيتي القصة القرآنية من شخصيتي قصة القصيدة، في رأيي، هو إيحاء بإثباتها بدلالة التوظيف القصدي للقصة واستعارة الأسماء الصريحة لشخوصها. وهناك ثمة إشارة إلى هذا الترابط وهو أيضا ترابط عكسي في قولها:
(حيث الاخوة مجتمعون عند الجبّ
يحاولون لم شمل ما تبعثر من أرواحهم
فلا يفحلون).وتحاورا مع اللغة الأم، وفق ما اجترح مسلم الطعان
أحمد الشطري
القدس العربي لندن